أدب امرئ القیس
الملخص
علی حد التعبیر الکثیر من النقاد العرب، یعتبر امرئ القیس أکبر شاعر في العصر الجاهلي و له أیضا إبداعیات أدبیة و لغویة في مجال اللفظ و المعنی. و إنطلاقا من هذا، فإنّ أدب هذا الشاعر مجال خصب للدراسة من ناحیة العاطفیة و الفکریة.
إنّ الجدلیة في العاطفة و الفکرة في تجربة امرئ القیس واضحة من خلال ما أتی به الشاعر من ألفاظ و تعابیر و تصاویر في ثنایا أشعاره.
تهدف هذه المقالة ـــــــــ إعتمادا علی المنهج الوصفي – التحلیلي ـــــــــ إلقاء الضوء علی العاطفة و الفکرة و تجلیاتهما و تجربة الشاعر هذا، و هی تتلخّص في میل الشاعر إلی الدعارة و اللذة و العشق و غیرهما في المجال العاطفة من جهة و في الحکمة و الأخلاق و المواصفات الحسنة من جهة أخری و من النتائج التي توصلت إلیها المقالة هذه أنّ امرئ القیس یتأرجح في تجربته الشعریة بین العاطفة و الفکرة، أحیانا نلاحظه یمیل إلی اللذة و الإستماع بها، و أحیانا آخر یدور مدار شعره في محور الحکمة و مکارم الأخلاق و غیرها. و خلافا لما إدعی البعض في دعارته المطلقة إلا أنّنا نلاحظ ومضات الفکرة الطیّبة و الأخلاق الجمیلة و الحکمة الممتازة في نصّه الأدبي.
المفردات المفتاحية: امرؤالقيس، العاطفة، الفكرة
المقدمة
من الواضح إنّ العصر الجاهلي _من الناحیة الأدبیة و التأریخیة_ کان و لا یزال مثار جدل و مضمار حرب لدی النقاد و اللغویین العرب و غیرها من المستشرقین. فذهب البعض کطه حسین مذهبا نقدیا تشکیکیا رفض من خلاله الأدب الجاهلي بشکل عام و علی عکسه ذهب البعض إلی نقده نقدا بناءا معتقدا بوجوده و شعرائه و أدبائه علی الإطلاق. علیه إن دراسة الأدب الجاهلي یعدّ لدی الدارسین ضرورة حتمیة للدراسة. و أمر لابد منه. تأسیسا علی ذلک، إنّ امرئ القیس بإعتباره شاعرا من شعراء هذا العصر له أدبه الخاص به و معظم أدبه ینحصر في الوصف، کما أنّ البعض یقول:
«ینحصر معظم الشعر الجاهلي إلا القلیل منه في باب الوصف. فالوصف هو فطرة اللغة العربیة و أصل طبیعتها، الذي رکبت علیه، خاصة في عصر مثل العصر الجاهلي، فقد وصف الشاعر الجاهلي کل ما وقعت علیه بصیرته بریشة فنان بارع، راح یصوّر لنا مظاهر الطبیعة بکل ما فیها في لوحة رائعة تسر الناظرین، فقد وصف الخیل، وصف الناقة، و سائر الحیوانات التي إستأنسها و إستوحشها، کما وصف النباتات ما أغل منها و ما أظل، وصف الرحلة و الصید و غیرها من الاوصاف»(مدنیة و ثابت، د.ت :۲).
بناء علی ذلک فإن الأدب الجاهلي شعر عاطفة و خیال بارع من إنسان بدأت شمعة عاطفته تترعرع حینا بعد آخر. و لازم نقول أیضا إن أدب امرئ القیس لا یستثنی عن محوریة العاطفة في الأدب الجاهلي، شعره یمتاز بالعتاء و الجیشان و الهیجان بشکل عام، و إذا کان أدبه علی نوع خاص من الفکرة، فإن مغزاه الجوهري عاطفي ینبض بالجیشان و الهیجان البتة.
و من هذا المنطلق و بما أن إمرأ القیس شاعر کبیر في العصر الجاهلي و في أدبه تجلیات فکریة و عاطفیة، فإنّ دراسة هذا الشاعر یقدم لنا و للمتلقی فریطة معنیة من فضاء الأدب الجاهلي العام کما أنه یساعدنا علی تلمس ثقافة ذلک العصر أیضا.
سؤال البحث:
هل هناک تداخل و تماسک بین العاطفة و الفکرة في أدب امرئ القیس.
فرضیة البحث:
علی الرغم من أن امرئ القیس تغلب علی أدبه فکرة و إیدیلوجیا معینة إلا أن العاطفة بما فیها من تجلیات و مظاهر تبدو لنا بشکل أوضح و ألمس.
سابقة البحث:
لقد طرق الکثیر من النقاد و الباحثون الأدب الجاهلي بشکل عام و أدب امرئ القیس بشکل خاص، مما أن قل له تجربته و نتاجه الخاص به، فمن هذه الأعمال تمکن الإشارة إلی ما یلي:
الأدب الجاهلي العربي في عصر الجاهلیة، قد ألفه الحاج حسن حسین و قد أشار الکاتب فیه إلی مواصفات العصر الجاهلي، من الناحیة الأدبیة، بشکل عام، هناک مؤلف آخر عنوانه شعر و شرر ألفته نجمة رجائي و قد أشارت فیه إلی قضایا نفسیة کلیة و لا تمت لبحثنا بصلة، کتاب آخر عنوانه شرح القصائد العشر الخطیب التبریزي،… فخر الدین قباوة، صدر عن وزارة القافة و کل ما جاء به الشارح فیه هو الشرح و التفسیر للأبیات و التعلقات الخاصة بالشاعر فقط.
و من المقالات المکتوبة بإمکاننا الإشارة إلی العاطفة و إرتباطها بالأدب کتبها حسن عبد الحمید و قد تطرقت هذه المقالة إلی العاطفة بإعتبارها عنصر آمن من عناصر الأدب فقط و لا غیر، و منها أیضا مقالة عنوانها: طبیعت و عناصر آن در شعر امرئ القیس(علمی ـــــــ پژوهشی). و لقد ألقی الکاتب الصور ـــــــ کما هو واضح من العنوان ـــــــ علی الطبیعة بکل ما فیها من الحیوانات و النباتات و البحر و الجداول و غیرها، هنا لازم أن نقول صحیح أن الدراسات أعلاه تم إخراجها في خصوص امرئ القیس أدبه و عصره، إلا أنها لا تغنینا عن الدراسة هذه علی الإطلاق.
الشك في تواجد امرئ القيس و أدبه
لقد اهتم طه حسين اهتماما بالغا بحقيقة الادب الجاهلي و ادعى، اعتمادا على بعض الادلة و البراهين العلمية و الثقافية، بأن هذا الادب مشكوك فيه على اساسه، ومن الشعراء المشكوك فيهم خاصة هو امرئ القيس «…و قد شك فيه و في شعره لاسباب، اولها : تضارب الرواة في اسمه و نيته و نسبه و حياته، و ثانيها : أن قسما من شعره يدور على قصة حياته يفسرها و يؤيدها، و هو يري أن هذا القسم موضوع نحل ليفسر هذه القصة. و ثالثها : أن القسم الاخر من شعره المستقل عن الاهواء السياسية و الحزبية موضوع منحول كذلك لان الضعف فيه ظاهر و الاضطراب فيه بين، و التكلف و الاسفاف فيه يكادان يلمسان باليد. و رابعها : أن يستثني من هذا القسم الاخير قصيدتين هما:
قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل
و: الا انعم صباحا ايها الطلل البالي